سَتسْلَبُ كلَّ ما جَمعْت منها ** كَعَارِيةٍ ترَدُّ إلى المُعِيروتَعْتَاضُ اليَقيِن من التَّظَنِّي ** وَدَارَ الحق من دار الغرورولأبي العتاهية:
وَليس مِن مَنزلٍ يَأْوِيه ذو نَفَس ** إلا وَللمَوْتِ سَيْفٌ فيه مَسْلُولُوله أيضًا:
ما أقْرَبَ الموتَ منَّا ** تَجَاوَز الله عناكأنه قد سَقَانا ** بِكأسِهِ حيثً كُنّاوله أيضًا:
أُؤمِّل أَنْ أخَلَّدَ والمَنايَا ** يَثِبْنَ عَليّ من كلِّ النَّوَاحِيوما أدْرِي إِذا أمسيت حَيًّا ** لعَلِّي لا أعِيشُ إلى الصَّبَاحوقال الغَزّال:
أصبَحْتُ واللّه مَجْهُودًا على أمَلٍ ** مِنَ الحيَاة قَصِير غير مُمْتَدِّوما أفارقً يومًا مَنْ أُفَارِقُه ** إِلا حَسِبْتُ فِرَاقي آخرَ اَلعَهْدانظرُ إليّ إذا أدرِجْتُ في كَفَنِي ** وانْظُرِ إليّ إذَا أدْرِجْت في اللِّحْدوأقعدْ قليلًا وعاينْ مَنْ يُقِيم معي ** ممن يُشيَعُ نَعْشي من ذَوِي وُدِّيهَيهات كلُّهُمُ في شَأْنِهِ لَعِبٌ ** يَرْمي الترابَ ويَحْثُوهُ على خَدِّيوقال أبو العتاهية:
نَعى لك ظلَّ الشَّبَاب المَشِيبُ ** ونادتْكَ باسمٍ سِوَاكَ الخُطُوبُفكُن مستَعِدّاَ لرَيْب المَنُون ** فإنَّ الذي هو آتٍ قريبوقَبْلَك داوى الطبيب المَرِيض ** فعاش المَرِيضُ ومات الطَّبِيبيَخاف على نَفْسه من يَتوب ** فكَيْف ترى حالَ من لا يَتوبوله أيضًا:
أخَيَّ ادخرْ مهما أستطع ** تَ ليَوم بَؤْسِكَ وافتقارِكْفَلْتَنزلنّ بمَنْزِلٍ ** تَحْتاجُ فيه إلى ادّخارِكوقال أبو الأسود الدُّؤليّ:
أيُّها الأملُ ما ليسَ لَه ** ربما غَر ّسفيهًا أَمَلهْرُبَّ من بات يُمَنَي نفسَه ** حالَ مِن دون مُنَاه أَجَلُهوالفَتَى المُحتَال فيما نابَه ** ربما ضَاقَتْ عليه حِيَلُهقُلْ لمن مَثَّلَ في أشعَاره ** يَهْلِكُ المرء ويَبْقَى مَثَلُهنافِس المُحْسنَ في إحْسانهِ ** فَسَيَكْفيِك سَناء عَمَلهوقال عدِيّ بن زيد العِبَاديّ:
أين كِسْرَى كِسرَى المُلوك أنوشر ** وَانَ أَمْ أيْن قبْلَه سابُورُوبَنُو الأصفَر الكِرَام مُلُوك الرُّ ** وم لٍم يَبْق منهمُ مَذْكوُروأخُو الحَصْرَ إذ بَناه وإذ دِجْ ** لةُ تجْبَي إليه والخَابُورشادَهُ مَرْمَرًا وجَلَّلَه كلس ** سًا فللطيْر في ذَرَآه وُكُورُلم يَهَبْهُ رَيْبُ المَنونِ فَبَانَ ال ** مُلْكُ عَنْه فَبَابهُ مَهْجوروتَبينَّ رَبّ الخَوَرْنق إذ أش ** رف يومًا وللهُدَى تفْكِيرسَرَّهُ مالُهُ وكثْرةُ ما يم ** لكُ والبحرُ مُعْرضًا والسَّدِيرفارْعوَي قلبُه وقال فما غِب ** طة حَيٍّ إلى المَمَات يَصِير؟ثم بعد الفَلاح والمُلك والنِّع ** مة وارتهُمُ هُنَاكَ القُبُورثم صارُوا كأنهُم وَرَقٌ ** جَفَّ فأَلوَت به الصَّبَا والدَّبوروقال حُرَيث بن جَبلة العُذْري:
يا قلبُ إنّكَ في الأحْيَاء مَغرُورُ ** فاذكُر وهَل يَنْفَعَنَكَ اليومَ تَذْكِيرحتى متَىِ أنتَ فيها مُدْنَفٌ وَلهٌ ** لا يَسْتفِزَّنْكَ منها البُدَن الحُورقد بُحت بالجَهْل لا تُخْفيهِ عن أحَدٍ ** حتى جرَتْ بك أَطلاقًا محاضيرترِيد أمرًا فما تَدْري أعاجِلُه ** خيرٌ لِنَفْسِك أم ما فيه تأخِيرفاستَقْدِرْ الله خَيْرًا وارضين به ** فبينما العُسْرُ إذ دارتْ مَيَاسيروبينما المرءُ في الأحْيَاء مُغْتَبطٌ ** إذ صار في الرمس تَعْفُوهُ الأعاصِيرحتى كأنْ لم يَكُنْ إلاّ توهّمه ** والدَّهر في كل حالَيْه دَهَارِيريَبْكي الغريب عليه ليس يَعْرِفه ** وذو قرِابته في الحيِّ مَسْرُورفذاك آخِرُ عَهْدٍ من أخِيك إذا ** ما ضَمَّنتْ شِلْوَهُ اللَحْدَ المحافير. اهـ.قال ابن عبد ربه:فصل في القناعة:قال النبي صلى الله عليه وسلم:
«من أصبح وأَمسى آمنًا في سربه مُعَافي في بَدنه عنده قوتُ يومه كان كمن حِيزَتْ له الدُّنيا بحذافيرها». والسِّرب: المَسْلَك؛ يقال: فلان واسع السِّرب، يعني المسلك والمذهب.وقال قيسُ بيت عاصم: يا بَنيّ: عليكمِ بحِفْظ المال فإنه مَنْبَهةٌ للكريم، ويُسْتَغْنى به عن اللئيم. وإياكم والمَسْألَة، فَإنها آخِر كسْب الرَّجُل. وقال سعد ابن أبي وقّاص لابنه: يا بُني، إذا طلبتَ الغِنَى فاطلبه بالقَناة، فإِنها مالٌ لا يَنْفَد؛ وإياك والطمعَ، فإنه فقْر حاضر؛ وعليك باليأْس، فإِنك لا تَيْأَس من شيء قطُّ إلا أغناك اللهّ عنه. وقالوا: الغَنيُّ من استغنى باللّه، والفقيرُ ما افتقر إلى الناس. وقالوا: لا غِنى إلا غني النّفس. وقيلَ لأبي حازم: ما مالُك؟ قال: مالان، الغِنَى بما في يدي عن الناس، وَاليأسُ عما في أيدي الناس. وقيل لآخر: ما مالُك؟ فقال: التجمُل في الظاهر، والقَصْد في الباطن. وقال آخر: لابد مما ليس منه بدّ اليَأْس حُرٌ والرجاءُ عَبْدُ وليس يُغْني الكَدَ إلا الجَدّ.وقالوا: ثمرةُ القناعة الرَّاحة، وثمرةُ الحِرْص التعب. وقال البُحْتريُّ:
إذا ما كان عندي قُوتُ يوم ** طَرَحْتُ الهمَّ عنّي يا سعيدُولم تَخْطرُ هُمِوم غدٍ ببالِيً ** لأنَ غَدًا له رِزْقِّ جَدِيدوقال عُرْوَة بنُ أذَيْنَة:
وقد عَلِمتُ وخَيرُ القَوْل أصْدَقُه ** بأنَ رِزْقِي وَإنْ لم يَأْتِ يَأْتينيأسْعى إليه فيعييني تطلبه ** ولو قَعَدْتُ أتاني لا يُعَنِّينيوَوَفد عُروة بن أذَينة على عبد الملك بن مَرْوَان في رجال من أهل المدينة، فقال له عبد الملك: أَلستَ القائلَ يا عُرْوَة؟ أسْعى إليه فَيُعْييني تَطلبه؟ فما أراك إلا قد سعيتَ له، فخرج عنه عُروة وشَخص من فَوْرِه إلى المدينة. فأفتقده عبدُ الملك، فقيل له: توجّه إلى المدينة، فبَعث إليه بألف دينار. فلما أتاه الرسول قال: قُلْ لأمير المؤِمنين: الأمرُ على ما قلتُ، قد سَعَيتُ له، فأعياني تطلُّبه، وقعدت عنه فأتاني لا يُعنيني.وقال النبي صلى الله عليه وسلم: إِنّ رُوح القُدس نَفَثَ في رُوعِي: إِنَّ نفسًا لن تموت حتى تَسْتَوْفي رِزْقَهَا، فاتَّقوا الله وأجملوا في الطَّلب. وقالَ تعالى فيما حكى عن لُقمان الحكيم:
{يا بنيَّ إنّها إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبّةٍ مِن خَرْدَلٍ فَتكُنْ في صَخْرَةٍ أوْ في السَّمَوَاتِ أوْ في الأرْض يَأْتِ بها الله إِنّ الله لَطيفٌ خبِير}.وقال الحسنُ: ابن آدمَ، لستَ بسابقٍ أجلَك، ولا ببالغٍ أمَلَك، ولا مَغْلوب على رِزْقِكَ، ولا بمرزوق ما ليس لك، فعلامَ تَقْتل نفسَك؟ وقال ابن عبد ربه: قد أخذتُ هذا المعنى فنظمتُه في شعر فقلت:
لستُ بقاض أملِى ** ولا بعَادٍ أجَليولا بمَغْلُوب عَلَى الرّزْ ** قِ الذي قُدِّرَ لَيولا بِمُعطًى رِزْقَ غَي ** ري بالشقا والعَمَلَفليتَ شِعري ما الذي ** أدْخَلني في شُغُليوقال آخر:
سيكون الذي قضي ** غضب المرءُ أَمْ رَضيوقال محمودٌ الورَّاق:
أما عجبٌ أن يَكْفُلَ بُعَضَهُم ** ببعضٍ فيرضى بالكفِيل المُطالِبُوقد كفل اللهّ الوَفي برزقه ** فلم يَرْضَ والإنسانُ فيه عجائبعليمٌ بأنّ الله مُوفٍ بوَعْده ** وفي قَلْبِه شَكٌّ على القَلْبِ دائبأبَى الجهل إلا أن يَضرُّ بعلْمِه ** فلم يُغنِ عَنْه عِلْمُه والتجاربوله أيضًا:
أتطلُبُ رِزْقَ اللهّ من عند غيْره ** وتُصْبِحُ من خوْفِ العواقِبِ آمناوترْضى بعَرّافٍ وَإِنْ كان مُشرْكًا ** ضَمينًا ولا تَرْضى بربِّكَ ضامناوقال أيضًا:
غِنىَ النَّفْس يغْنيها إذا كنْت قانِعًا ** وليسَ بمُغْنِيك الكثيرُ من الحِرْصوإنّ اعتقادَ الهمِّ للخير جامعٌ ** وقِلْةَ هَمِّ المَرْءِ تَدْعو إلى النَّقصوله أيضًا:
مَن كان ذا مالٍ كثير وَلم ** يَقْنَعْ فَذَاك المُوسِرُ المعْسِرُوكل من كان قَنُوعًا وإن ** كان مقلًا فَهُو المكثرالفَقْرُ في النفْس وفيها الغِنىَ ** وفي غِنَى النَفس الغِنى الأكبروقالَ بَكْر بن حَمّاد:
تبارك مَن ساسَ الأمورَ بِعِلْمه ** وذَلَّ له أهلُ السّموات والأرْضومنْ قسِمَ الأرزاق بين عِباده ** وفَضّلَ بَعضَ النَّاس فيها على بعضفمن ظَنَّ أنّ الحِرْص فيها يَزيده ** فقُولوا له يزداد في الطول والعَرْضوقال ابن أبي حازم:
ومُنْتَظِر للموت في كل ساعةٍ ** يَشِيدُ وَيِبْني دائبًا ويُحَصِّنله حينَ تَبْلُوه حقيقةُ مُوقِنِ ** وأفعالُه أفْعَالُ مَن ليس يُوقِنعَيانٌ كإِنكارٍ وَكالجهْل عِلْمُهَ ** يَشُكّ به في كلِّ ما يتيقنوقال أيضًا:
اضرع إلى اللهّ لا تَضْرعَ إلى النَّاس ** واقْنَعْ بِيأسٍ فإنّ العِزَّ في اليَاسواستغنِ عن كل ذي قربى وذي رَحِم ** إنّ الغَنِيَّ مَنِ استغنى عن الناسوَله أيضًا:
فلا تَحْرِصَنّ فإنّ الأمور ** بكَفِّ الإله مقَاديرُهافليسَ بآتيك منْهيهاَ ** ولا قاصرٍ عنك مأمُورهاوله أيضًا:
كَمْ إلى كم أنت للحِر ** ص وللآمال عبْدليس يُجْدِي الحِرْصُ وَالسع ** يُ إذا لم يك جدما لما قد قَدَّرَ اللـ ** ـه من الأمر مردقد جرى بالشرِّ نَحْسٌ ** وجَرَى بالخير سعدوجرى الناسُ على جَر ** يهما قبل وبعد